الموارد التعليمية أصبحت في متناول يدك كل ما يخص الشأن التعليمي في الوطن العربي

آخر المواضيع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الكورونا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الكورونا. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 28 مايو 2021

مايو 28, 2021

عدوى كورونا قد تُكسب الإنسان مناعة طويلة الأجل ضد الفيروس

 


تحدث عمليات إعادة العدوى بالفيروسات التاجية الموسمية في فترة تتراوح بين 6 أشهر و12 شهرًا من تاريخ الإصابة السابقة، مما يدل على أن الحصانة الوقائية ضد تلك الفيروسات -ومنها فيروس "سارس- كوف-2"- قد تكون قصيرة الأجل.


لكن دراسة حديثة كشفت أن عدوى فيروس "سارس- كوف-2" المسببة لمرض "كوفيد-19" يمكن أن تُكسب البشر خلايا مناعيةً طويلة الأجل لتحصينهم ضد الإصابة بالعدوى مرةً أخرى.


وركّزت الدراسة -التي أجراها علماء من قسم علم الأمراض والمناعة في مدرسة الطب بجامعة واشنطن الأمريكية، ونشرتها دورية "نيتشر" (Nature) أمس "الإثنين"- على رصد الأجسام المضادة قصيرة الأجل وطويلة الأجل التي ينتجها الجهاز المناعي استجابةً للهجوم الفيروسي.


وعادةً ما ينتج الجهاز المناعي للبشر أجسامًا مضادة استجابةً لهجوم فيروسي أو بكتيري أو أي مسبِّب آخر للمرض، وهي عبارة عن بروتينات تدمّر مسبِّبات المرض التي تغزو الجسم عن طريق الارتباط بها لتصبح غير ضارة، أو تمييزها حتى يسهُل القضاء عليها، وتظل الأجسام المضادة في مجرى الدم بعد الإصابة بالعدوى تحسُّبًا لعودة الفيروس، وعند عودته تكون الأجسام المضادة مستعدةً لمهاجمته وتقليل فرص الإصابة بالعدوى مرةً أخرى.


من جهته، يوضح الباحث المصري علي اللبيدي، قائد فريق البحث بكلية الطب بجامعة واشنطن، أن الإصابة بعدوى فيروس "سارس- كوف-2" ينتج عنها تكليف خليّة مناعية متخصصة تسمى "خليّة البلازما" (Plasma cell) بإفراز الأجسام المضادة التي تساعد على إزالة العامل المُمْرض.


يضيف "اللبيدي" في تصريحات لـ"للعلم" أن "إنتاج بعض خلايا البلازما هذه يكون بسرعة، لإفراز موجة مبكّرة من الأجسام المضادة الواقية، وتكون خلايا البلازما هذه قصيرة العمر، وعندما تبدأ في الموت، تبدأ مستويات الأجسام المضادة في الدم في الانخفاض".


وعن الخلايا طويلة الأمد، يقول "اللبيدي": ينشأ عن العدوى إنتاج مجموعة أخرى من خلايا البلازما الأكثر نضجًا تسمى خلايا البلازما طويلة العمر (BMPCs) بعد الإصابة، وهذه الخلايا تعيش في الغالب في نخاع العظام، وهي مسؤولة عن إفراز الأجسام المضادة لفترات طويلة، ما يُحافظ على وضعنا الوقائي ضد الفيروس، لذلك عندما نتعرض مرةً أخرى لمسببات الأمراض، نكون في حالة أفضل بسبب تلك الأجسام المضادة مسبقة التشكُّل.


وأشار إلى أن نتائج الورقة البحثية جاءت بعد تتبُّع مجموعة من الأشخاص في طور النقاهة بعد عدوى خفيفة لفيروس "سارس- كوف-2" لمدة تصل إلى 11 شهرًا بعد ظهور الأعراض الأولى.


وأظهرت النتائج أن الأجسام المضادة قصيرة الأجل في الدم الموجهة ضد البروتين السطحي الرئيسي لفيروس "سارس- كوف-2" وهو بروتين "سبايك" (Spike protein) -الذي يمثل هدفًا رئيسيًّا للأجسام المناعية المضادة للفيروسات- تتلاشى بسرعة في أول 3-4 أشهر بعد الإصابة، لكن هذه المستويات تصبح أكثر استقرارًا بعد 7 أشهر من الإصابة.


فحص الباحثون عينات الدم الخاصة بـ77 متطوعًا بعد شهر تقريبًا من ظهور أعراض إصابتهم بالفيروس (49٪ منهم إناث، و51% من الذكور) بمتوسط عمر بلغ 49 عامًا، ومعظمهم عانى من المرض بصورة خفيفة؛ إذ لم يضطر سوى 7.8% منهم إلى دخول المستشفى.


كما جرت متابعة عينة البحث من خلال فحص عينات الدم الخاصة بهم ثلاث مرات على مدار فترة بلغت حوالي 3 أشهر.


وأجرى الفريق البحثي دراسات للوصول إلى سبب استقرار مستويات الأجسام المضادة للفيروس مرةً أخرى بعد تلاشيها، عبر أخذ عينات مباشرة من نخاع العظام لمجموعة فرعية من هؤلاء المرضى، خلال الفترة من 7 أشهر إلى 11 شهرًا بعد الإصابة.


يقول "اللبيدي": أظهرت النتائج أن هؤلاء الأشخاص تشكّلت لديهم خلايا البلازما طويلة العمر التي تُفرز أجسامًا مضادة خاصة ببروتين "سارس- كوف-2"، ومن المحتمل أن يكون هذا هو سبب استقرار مستويات الأجسام المضادة في الدم في الأشهر اللاحقة، وتُعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي توضح بشكل مباشر الدور الذي تؤديه خلايا البلازما طويلة العمر الموجودة في نخاع العظام لدى البشر في تعزيز المناعة بعد الإصابة بعدوى "سارس- كوف-2".


وحول خطواتهم المستقبلية، يقول "اللبيدي": نحن الآن نحقق فيما إذا كانت خلايا البلازما طويلة الأمد هذه قد تم تحفيزها أيضًا لدى البشر بعد التطعيم بلقاحات فيروس "سارس- كوف-2".


كانت اللجنة الدوليّة لتصنيف الفيروسات بمنظمة الصحة العالمية قد أعلنت تسمية "سارس- كوف-2" المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم "اسمًا رسميًّا لفيروس كورونا المستجد، في 11 فبراير 2020، واختير هذا الاسم لارتباط الفيروس جينيًّا بفيروس كورونا الذي سبّب فاشية متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) في 2003، غير أن الفيروسين مختلفان رغم ارتباطهما الجيني، كما أعلنت بدورها أن "كوفيد-19" هو الاسم الرسمي لهذا المرض الجديد.

الثلاثاء، 25 مايو 2021

مايو 25, 2021

التعليم: تنسيق مع وزارة الصحة لتطعيم المشرفين على امتحانات الدبلومات



كشف الدكتور محمد مجاهد مساعد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشئون التعليم الفني، تفاصيل استعدادات الدبلومات الفنية لامتحانات نهاية العام، موضحًا أن الامتحانات تضم 750 ألف طالب، بجانب 200 ألف معلم سيشرفون على الامتحانات في 27 محافظة، لافتًا إلى أن هذا عدد كبير للغاية، ويتطلب ضرورة الاهتمام بصحة الطلاب والمعلمين.

وأضاف مساعد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشئون التعليم الفني، خلال برنامج الحقيقة، المذاع على قناة إكسترا نيوز، والذي تقدمه الإعلامية آية عبدالرحمن، أنه جرى تقليل عدد الطلاب في لجان الامتحانات من 20 و22 طالبًا إلى 14 طالبًا فقط، وهو ما تطلب زيادة عدد المعلمين الذين يشرفون على الامتحانات من 120 و150 ألفا إلى 200 ألف معلم


ولفت مساعد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشئون التعليم الفني، إلى أن هناك إجراءات لدخول المدرسة خلال الامتحانات، منها تعقيم اللجان وقياس درجة حرارة الطالب وارتداء الكمامة، حيث لن يدخل أي طالب سوى بكمامة وكذلك المعلمين، موضحا أن هناك تنسيقا بين وزير التربية والتعليم ووزيرة الصحة لتطعيم المعلمين الذين سيشرفون على الامتحانات، سواء في الثانوية العامة أو التعليم الفني، ضد فيروس كورونا.وأشار مساعد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشئون التعليم الفني، إلى أنه ستجرى مناقشة قانون إنشاء هيئة لضمان جودة التعليم الفني واعتماد برامجها، حيث نعتمد المهارات التي يكتسبها الطالب، وهو ما يزيد من فرص العمل لخريجى التعليم الفني

الثلاثاء، 23 مارس 2021

مارس 23, 2021

موجة كوفيد الأليمة المنسية



 "مساء الخير يا صديقي القديم، أكلمك ولا ترد، أنا محتاج إليك في مسألة حياة أو موت، وبحق الِعشرة والإنسانية بيننا رد".

     كانت الرسالة قادمة من الرقم نفسه الذي ظل يظهر على شاشة هاتفي عدة ساعات، وعشرات المرات، دون أن أرد، فقد اعتدت في الفترة الأخيرة ترك هاتفي على الوضع صامتًا، مستثنيًا من ذلك أسرتي وأقاربي وأصدقاء العمر، أما غير ذلك من الأسماء المسجلة فأنتقي للرد أو عدم الرد عليها ما يتناسب مع الأحوال والوقت.

     لم يكن الرقم مسجلًا عندي، فلم أرد، إلى أن جاءتني رسالته الموجزة المفزعة تلك، فكتبت إليه:

     "لكن مَن أنت؟"

     وجاءني الرد:

"أنا ...... قارئ لأدبك وكتبك، والآن أنا أمام لحظة اكتشاف غريبة وعجيبة ومريبة، أنت مدار أساسي فيها، ويكفي أن أقول لك إن مجرد ردي عليك بهذه الرسالة يعني فقدان أبي الحقيقي، لصالح أبي الروحي، التقيتك مرة وحيدة مصادفة في العجوزة!".

     صرخة مكتومة لغريق

     اتصلت.

     واكتشفت أن مَن أتصل به شاب مميز، ذكي وعميق الثقافة، وقد يكون أديبًا موهوبًا من مئات بل آلاف الموهوبين الذين يطمرهم زمن الجماهير الغفيرة وصناعة التفاهة، أخذ يقود الحديث بيننا في أمور ثقافية متعددة وبلمحات مبدعة لأكثر من ساعة، وكنت كلما حاولت إنهاء الحديث وطلب استئنافه في وقت لاحق، يعيدني إليه بإلحاح يجتاح منطقة الخجل ومشاعر الأبوة عندي، وفجأةً استيقظ الطبيب النفسي داخلي، يخبرني بأنني حيال إنسان في أزمة، ويتشبث بأي خشبة تنجيه من غرقٍ ما، فبدأت أستدعي مهنتي التي لم تذبل في كياني، وأُمسك بدفة الحديث، فأكتشف:

    أعراض اكتئاب وقلق، ووُهام delusion ينسج لجائحة كوفيد نسقًا كونيًّا ماورائيًّا، وثمة خيط من هذا النسق يضعني في موقع الأب الروحي مُقابل الأب الطبيعي للشاب، وأن تواصُلنا إشارة كونية تعني أن والده قد حكم عليه ذلك النسق بالموت بكورونا!

     في البدء كدت أنسى القواعد التي وضعتها لنفسي عبر اثني عشر عامًا من دراسة الطب النفسي وممارسته في أماكن مختلفة وبيئات مختلفة وأكثر من ثقافة، بشغف وبكثير من التمرد على المسلَّمات المدرسية، والانحياز إلى الحدس، وإعمال الحيرة أمام تلك القارة المجهولة التي اسمها النفس البشرية:

     ألا أتسرع في تعبئة الإنسان أمامي في خانة من خانات تصنيف الأمراض النفسية ودلائل تشخيصاتها الرائجة، أن أتذكر قناعتي بنظرية تعدد السوية التي ترفض التسرع في  دمغ أي حالة نفسية بالمرض لمجرد ظهور عَرَض هنا أو هناك حتى لو كان العَرَض جسيمًا، كالضلالات والوهام والهلوسات البصرية أو السمعية أو غيرها، فحتى هذه يمكن أن تنتاب إنسانًا "طبيعيًّا" في لحظة ضغوط شديدة عابرة، وأن أتمثل في نفسي كل حالة أناظرها حتى أتلمس ما بدواخلها، وبالطبع أن أهتم بالعلاقة النفس جسدية في الأمراض النفسية، ليس فقط لاستبعاد الأسباب العضوية الصرف وراء ما يبدو نفسيًّا، ولكن الأهم، وتبعًا للمدرسة البافلوفية التي درست التخصص في رحابها، ألا أفصل أحوال الجسد عن اضطرابات النفس، وتنبهت..

     الوقوف على حافة المنزلَق

     وجدت أنني أمام حالة طوارئ طب نفسية لها عنوان قديم لكنه لا يزال يعمل، ويعمل بكفاءة أيًّا كان تشخيص الحالة، إنها النيوراثينيا، Neuroathenia أو "الوهن العصبي"، وهو مصطلح أصبح تشخيصًا رئيسيًّا في الطب النفسي الأمريكي خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعد أن أعاد طبيب الأعصاب جورج ميلر بيرد تقديمه عام 1869، ثم تحول إلى مفهوم يعني "استنفاد طاقة الجهاز العصبي عبر الإجهاد الجسدي والنفسي" على يد الطبيب الأمريكي إدوارد سبنسر كولز، الذي دوت شهرته في بداية القرن العشرين، وهو -لو رجعنا إلى تاريخ تطبيب النفوس- لم يكن رائدًا لطريقة، بل كان متبنيًا لرؤية عريقة، عراقة أبوقراط وابن سينا وجالينوس، وبالطبع أستاذ أساتذتي: بافلوف، وقد وصف سبنسر كولز النيوراثينيا في كتابه الصغير المقنع "لا تخف" بأنه استنزاف لطاقة الجهاز العصبي يجعله مستباحًا لفيض من الإشارات العصبية المضطربة التي تتبدى في النهاية كأعراض للأمراض النفسية والعقلية، وأن أكثر ما يستنفد طاقة هذا الجهاز هو الإجهاد الجسدي والنفسي، وهي رؤية بدأت حدسية وتحولت إلى حقيقة مثبتة تجريبيًّا من خلال الأبحاث على المخ والجهاز العصبي، وأشهرها ما يتعلق بالعصب الحائر أو المُبهم vagus nerve وعلاقة تثبيطه وتحفيزه بالمرض والصحة العقليين.

     وقد كان ذلك الشاب شديد الإنهاك الجسدي والنفسي من خلال ما اتضح من إجاباته عما طرحته عليه من أسئلة، كان منفصلًا منذ شهور قليلة عن زوجته الشابة التي أحبها، يعيش وحده في شقة مفروشة متواضعة، مؤرَّق لم ينم دقيقةً منذ ثلاثة أيام، وعلى الأرجح لم يكن لديه رغبة ولا طاقة ليُعد لنفسه ما يأكله.

     معاناة نفسية سابقة تتجدد، إنهاك عقلي، وحشة عاطفية، جوع، أرق، إنها النيوراثينيا، المنحدر الزلق الذي إن لم يتفاداه فورًا فهو هالك، إما أن ينهار في اضطراب عقلي كبير: فصام، ذهان ثنائي القطب، هياج هوسي، اكتئاب مهتاج، أو: ينتحر.

     كان الانتحار أقرب ما يكون منه، وكنتُ مَن وضعته الأقدار في تجربة، تجربة المسؤولية عن نفس شابة ذكية، توشك أن تضيع، والإنقاذ شديد اليسر، لكنه متعذر في ذلك الليل من ليالي إغلاق كورونا، ثم إنني لم يكن لديَّ "روشتات" معتمدة لأكتب له ما ينتشله أوليًّا من تفاقم النيوراثينيا، حاولت الاتصال بطبيبه المعالج الذي انتزعت منه اسمه، حاولت الاستعانة بصديق من الأطباء النفسيين الذين أعرفهم ليقدم له العون، وكانت الدنيا إغلاقًا، كانت ذروة الجائحة.

     انطفاء وإضاءة وانتقال

     مكثت كلما انتهت وصلة من الحديث بيننا، أعاود طلبه، وبلورت أولى خطوات إنقاذه في "أن ينام فورًا" بدواء منوم مهدئ سريع المفعول، يحصل عليه بأن يهبط إلى أقرب صيدلية ويجعلني أتكلم مع الصيدلي المسؤول بها لأعرفه بنفسي وأصف الدواء المطلوب، ويُعطي للشاب منه جرعة واحدة محددة مع تحمُّلي لكامل المسؤولية.

    كانت الغاية أن ينام بعمق ليعيد شحن طاقة جهازه العصبي فيوقف طوفان الإشارات العصبية الهائجة الفوضوية، يتخطى منزلق النيوراثينيا ثم يستيقظ فيتجه فورًا إلى بيت أبويه لأنه سيكون في حاجة إلى مَن يعتني به، لكن رقمه انطفأ، ثم أضاء هاتفي بعد ثلاثة أيام!

     هذه التجربة، التي جرّعتني كأس أسى مريرًا في أيام إغلاق كورونا، ثم أهدتني أكثر أيامي فرحًا بعد ذلك، تداعت ذكراها عندما قرأتُ التصريح الذي أدلى به يوم الجمعة 5 مارس هذا العام مايك رايان، مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، محذرًا من أن "تخفيف قيود التباعد الاجتماعي وكافة الإجراءات الاحترازية ضد كورونا المستجد يهدد بموجتين ثالثة ورابعة حال عدم توخي الحذر الشديد، وعبَّر في تصريحه عن أسفه من انجرار حكومات وشخصيات عامة اعتبرت أن كورونا من الماضي وبدأت في تخفيف قيود الإجراءات الاحترازية، مستشهدًا بتداعيات كورونا في البرازيل، التي أدت إلى وفيات وإصابات عديدة جعلتها من أوائل الدول التي تدخل منطقة الخطورة.

     الموجة "الرابعة" المنسية

     لا شك في أن تصريح هذا المسؤول بمنظمة الصحة العالمية صحيح، لكنه من زاوية أخرى يدعو لبعض الأسف، فهو كمعظم مَن عنوا بأمر جائحة كوفيد، ينظر إليها كمرض عضوي فقط، بينما لها جانب نفسي بدهي، ومن المختصين بالطب النفسي وعلم النفس مَن رأى أن ثمة  فيضًا من الاضطرابات النفسية يشكل "الموجة الرابعة الكامنة لكورونا"، وهذا التعبير صكته لونا ماركيز، اختصاصية علم النفس الإكلينيكي ومديرة برنامجPRIDE   للطب النفسي المجتمعي في مستشفى ماساتشوستس العام، الذي يقدم الرعاية للسكان المحرومين.

      ففي 9 ديسمبر 2020 -أي قبل نحو تسعة أشهر من تصريح المسؤول بمنظمة الصحة العالمية المحذر من موجة ثالثة ورابعة لكوفيد-  نشر موقع جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية (ADAA) بالتنسيق مع  جريدة " نيوورك تايمز" مقالًا يجمع بين الرأي والتحقيق للكاتب الأمريكي جنوب إفريقي الأصل فاراد مانجوو، عنوانه "الموجة الرابعة الخفية للوباء"، استله الكاتب من حواره مع الدكتورة "ماركيز"، التي صرحت بأن  مشكلات الصحة العقلية يمكن أن تخلق نوعًا من "الموجة الرابعة" للوباء، مبينةً أنه "بمجرد السيطرة على الوباء، سيخرج الناس من أجل الهواء الطلق، لكنهم لن يكونوا بخير"، وقد أردف "مانجوو" ذلك التصريح بتعليق يقول: "إن  الأسوأ كان انعدام أي تركيز حقيقي  يُعنى بتأثير الوباء على صحتنا العقلية، ليس من إدراة ترامب فقط بل حتى من إدارة بايدن (الذي كان منتخبًا لتوه)؛ فقد أُعلن عن فريق عمل خاص بفيروس كوفيد ــ 19 أُشيد به على نطاق واسع لخبرات أعضائه العميقة، لكن لم يكن من أعضائه خبير واحد بالصحة العقلية، وهذا خطأ كبير".

     صدمة نفسية أمريكية

     في ذلك المقال قال الكاتب إن كين دكوورث -كبير المسؤولين الطبيين في التحالف الوطني للأمراض العقلية- صرح له بأنه "من غير المرجح أن يكون هذا العام جيدًا بالنسبة لمَن كان لديه تاريخ من مشكلات الصحة العقلية، إذ سيعاني من اتصالات أقل، ومزيد من العزلة ومن عدم اليقين، في حين سنكون غير مستعدين لمواجهة الخسائر العقلية للوباء كما كنا في حالة الخسارة الجسدية، فالصورة قاتمة؛ لأنه حتى قبل الوباء كان لدى الولايات المتحدة عددٌ قليلٌ جدًّا من المتخصصين في الصحة العقلية لتلبية احتياجات الأمة، والنقص أكثر خطورةً في المناطق الريفية وفي المجتمعات الحضرية التي تؤوي الفئات المهمشة، لقد ارتفع الطلب على العلاج النفسي بشكل كبير بينما لم يرتفع العرض، وسيستغرق الأمر ثمانية أشهر حتى ينفجر الطلب أكثر".

      وفي سياق هذه الرؤية غير المتفائلة بحال خدمات الصحة النفسية الأمريكية أضاف جوشوا جوردون، مدير المعهد الوطني للصحة العقلية قائلًا: "إن نظام الصحة العقلية يكافح بالفعل لمواجهة ذلك الانفجار، ففي شهر يونيو (2020) وجدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن 40% من البالغين في الولايات المتحدة أبلغوا عن معاناتهم من حالة صحية عقلية أو سلوكية ضارة، واحدة على الأقل لكلٍّ منهم، وتتضمن أعراض المرض العقلي أو تعاطي المخدرات، وكلها مرتبطٌ بأعباء الوباء.

     وإذا كان ذلك المقال يكشف عن حال الولايات المتحدة الغنية المتقدمة وعجزها النسبي في مواجهة الاضطرابات النفسية المتفاقمة تحت وطأة الوباء أو الناشئة بفعل هذه الوطأة، فما بالنا بالدول الفقيرة وشبه الفقيرة، ناهيك بالدول الأكثر تعاسة، التي تهلكها أغبى الحروب، الأهلية والإقليمية؟ أمور تدعو إلى الحسرة، وتوجب أقصى الجدية والاهتمام، فالأمر يتعلق بخسارة فادحة لنفوس وأرواح أؤمن -من خلال عملي في الطب النفسي وتحديقي الأدبي في عين النفوس- بأنها رقيقة طيبة، فالأرواح الغليظة الخبيثة لا تمرض نفسيًّا ولا تنفجر عقليًّا، بل تشغل مواقع أخرى من الفساد الروحي لها عناوين كالسيكوباتية والتدميرية والنرجسية الخبيثة، ولم يكن الشاب الذي اتصل بي وتواصلت معه في ذلك الليل الأليم من ليالي الجائحة والإغلاق إلا نفسًا رقيقة طيبة، أوقفتها الظروف والضغوط على حافة منزلق النيوراثينيا، هاوية الضياع، لكن الله لَطَف.

     وقوفًا لتلقي شهقة النجاة

    لَطَفَ الله بي وبه، فقد مكثت مثقلًا بشعور المقصر المذنب، أكاد أعاف الطعام ويضطرب نومي إيذانًا بموجة اكتئابية، حتى ومض هاتفي برقمه، فوقفت مشدودًا أتلقى اتصاله كمَن يرتجي شهقة النجاة، وفرحت روحي بنجاته، لقد نفذ ما أوصيته به وألححت: أن ينام، وأن يرجع إلى حضن بيت الأهل، وكان، أفلت من منزلق النيوراثينيا، ثم ذهب إلى طبيب نفسي في بلدته يتابعه، وكان صوته مختلفًا تمامًا عن الصوت الذي حادثني به يوم الشِّدة، صوت الطمأنينة والسلام والحضور اللطيف الحيوي.

     الآن، وقد انقطعت عن ممارسة الطب النفسي منذ سنوات، وفقدت الكثير من لياقتي لممارسة هذا الاختصاص الكبير والخطير الذي يتطلب لياقةً خاصةً جدًّا، لا أسمح لنفسي بالمجادلة في شأن وضع مخطط تنظيمي وقائي وبروتوكول علاجي لمواجهة هذه "الموجة الرابعة" النفسية المنسية، التي ليست كامنةً فقط، بل هي ماثلة قطعًا، وقطعًا ستتفاقم وتنفجر، ولدينا أساتذة مرموقون وأطباء كبار في مجال الطب النفسي أجدر بوضع خطة استيعاب وبروتوكول علاجي لطوارئ هذه الموجة الرابعة التي لم تعد خافية، بينما يتواضع دوري عند مهمة نقل تجارب غيرنا، لعلها تفيد، ومن ثم، أعود إلى تلك الحالة الأمريكية ...

     هل قليل من التفاؤل يكفي؟

     مقابل ما سلف من تشاؤم، ثمة قليل من الأخبار المشجعة، فعندما ضرب الوباء ضربته، تمكن العديد من المعالجين النفسيين ومرضاهم في الولايات المتحدة (وغيرها) من نقل جلساتهم إلى الإنترنت، مما أتاح الحصول على مساعدة نفسية حتى مع استمرار الفيروس في نشاطه وقبوع الناس في منازلهم، كما تم تشجيع الخبراء من خلال المناقشة العامة حول الصحة العقلية في الأشهر القليلة الماضية، فأبرزت منظمات الصحة العقلية ووسائل الإعلام الإخبارية أهمية الحفاظ على الترابط الاجتماعي على الرغم من الحاجة إلى التباعد الجسدي.

    ونظرًا إلى أن نظام الصحة العقلية الأمريكية يُتوقَّع ألا يكون قادرًا على رعاية العديد من الأشخاص المحتاجين، فقد قدم الخبراء الذين شملهم التحقيق مجموعةً متنوعةً من الإستراتيجيات التي وُصِفت بأنها "حسنة النية" لحفاظ  الناس على سلامتهم العقلية في هذه الشدة، وتتمثل في: التغذية الجيدة، والنوم الجيد، وتنشيط العلاقات الاجتماعية، وقضاء بعض الوقت في الهواء الطلق والأجواء المُشمِسة خارج البيوت، وممارسة الكثير من التمارين التي ثبت أنها توفر تحسينات كبيرة لمجموعة من مشكلات الصحة العقلية، وأهمها وأيسرها -في رأيي وبخبرتي العملية- المشي النشِط بعيدًا عن الزحام، وفي ظلال الأشجار ما أمكن.

    تخبئة العيون لا تُخفي المخيف

    هذه الموجة النفسية لجائحة كوفيدــ19، سواء حلت موجة جسدية ثالثة أو رابعة، لم تعد خافية، وينبغي ألا تخفى، فهي ماثلة وإن كنا نضع أيدينا على عيوننا لنحجب رؤيتها، فنماثل الأطفال الصغار جدًّا في إنكارهم لكل مخيف، كأن عدم رؤية المخيف ينهيه، لا مناص من التحديق في عين الخوف، فهذه الموجة، بغض النظر عن ترقيمها، ليست قادمةً فقط، بل موجودة وتتفاقم، وستنفجر، ولها عواقب لا تقل وخامةً عن العواقب العضوية والاجتماعية والاقتصادية للجائحة، ولا ينبغي أن تظل منسية، ولا يصح تناسيها.

مارس 23, 2021

مرض شبيه بكوفيد يصيب البالغين من الشباب



 كانت صعوبة التنفس المؤشر الأول على أن ماركوس (وقد فضَّل عدم ذكر اسم عائلته) يعاني مشكلةً ما، يتذكر ماركوس تلك الأيام فيقول: "شعرت بأن رئتيّ تتخليان عني، فقد كانتا تؤلمانني بشدة عندما أتنفس"، بعد حوالي أسبوع بدأ ماركوس يتقيأ بشدة، ولم تكن معدته قادرةً على الاحتفاظ بالطعام، كانت تلك هي البداية لمحنة عصيبة ألمَّت بذلك الشاب -الذي يتمتع بصحة جيدة، والبالغ من العمر ثمانية عشر عامًا- في أكتوبر الماضي، والتي انتهت به طريح الفراش في إحدى غرف وحدة العناية المركزة، وجد الأطباء بمستشفى يوتاه فالي في مدينة بروفو أن مستوى الأكسجين في الدم لدى ذلك الشاب المراهق قد هبط إلى الثمانينيات (تتراوح المعدلات الطبيعية بين 95 وما فوقها)، وأظهرت صور الفحص بالأشعة المقطعية وجود نمط من البقع البيضاء ذات شكل زجاج مشدوف ضبابي في رئتي الشاب، وهو مؤشر على التلف الشديد الذي غالبًا ما يُلاحَظ لدى مرضى كوفيد-19، وفي ظل تفشِّي الجائحة مؤخرًا، أجرى الأطباء ثلاثة اختبارات على ماركوس بحثًا عن فيروس كورونا، إلا أن جميع النتائج جاءت سلبية، أما ماركوس نفسه فقد اشتبه في سبب آخر، وهو شيء ضار استنشقه من سيجارة إلكترونية.

كان حدس ماركوس في محله، شخَّص الأطباء حالة ماركوس بأنه مصاب بحالة مرضية تهدد حياته جرى التعرف عليها فقط عام 2019، ألا وهي إصابات الرئة المرتبطة بتدخين السجائر الإلكترونية أو استخدام منتجات التدخين الإلكتروني المعروفة اختصارًا باسم «EVALI»، ظهرت الحالات الأولى المعروفة لتلك الحالة المرضية في ولاية ويسكونسن في يونيو 2019، وقبل أن يمر وقت طويل كانت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تتلقى تقارير عن ذلك المرض الغامض من جميع الولايات الخمسين، بحلول منتصف شهر فبراير من عام 2020، نُقِل 2800 شخص إلى المستشفى من جرَّاء ذلك المرض، وتُوفي منهم 68 شخصًا، وكان ثلثا المصابين من الذكور ومعظمهم من الشباب.

لحسن الحظ تحركت الدراسات والبحوث العلمية بإيقاع يقترب من سرعة تفشِّي المرض، وبحلول أوائل أكتوبر 2019، ربطت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بين وقوع تلك الحالات واستخدام منتجات التدخين الإلكتروني التي تحتوي على مادة تُسمَّى «رباعي هيدروكانابينول» (THC)، وهي المُكوِّن الرئيسي المسؤول عن التأثير النفسي في نبات الماريجوانا، وأصدرت الإدارة تحذيرًا عامًا لتجنُّب استخدام مثل هذه المنتجات، بدأ الباحثون في إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في تحليل عينات من سوائل «رباعي هيدروكانابينول» للسجائر الإلكترونية، واكتشفوا أن نصفها يحتوي على أسيتات فيتامين «E»، وهي مادة تُستخدم تجاريًّا من أجل تكثيف كريمات العناية بالبشرة، لكن الآثار المترتبة على استنشاق تلك المادة لم تكن قد خضعت للدراسة من قبل.

درس فريق بحثي في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عينات من سوائل الرئة، مأخوذة من 51 مريضًا، ووجدوا أسيتات فيتامين «E» لدى 48 منهم، "لقد ساعدَنا ذلك في وضع النقاط على الحروف بشأن العلاقة بين ما وجدناه في المُنتَجات وما كان في أجسام المدخنين"، كما يقول اختصاصي الوبائيات بريان كِنج، الذي أسهَم في قيادة فريق الاستجابة للطوارئ بالمراكز، وشارك في تأليف تقرير حول النتائج نُشِر في مجلة «نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين» New England Journal of Medicine.

لكن ظلت هناك أسئلة تراود الباحثين حول ما إذا كانت هناك مركبات أخرى يستنشقها مدخنو السجائر الإلكترونية ولها دور أيضًا في الإصابة بتلك الحالة المرضية، لكن الدراسات التي أُجريت على الفئران حسمت الأمر، "قامت عدة فرق بحثية بتعريض الفئران لاستنشاق أسيتات فيتامين «E» الخالص لبضعة أيام، وهو ما أدى إلى حدوث أضرار وتلفيات هائلة في الرئتين، هكذا بدا الأمر جليًّا"، وفق قول اختصاصية أمراض الرئة لورا كروتي ألكسندر، التي تدرس إصابات الرئة المرتبطة بتدخين السجائر الإلكترونية أو استخدام منتجات التدخين الإلكتروني في جامعة كاليفورنيا بسان دييجو.

في فترة تسعى فيها السلطات الصحية العامة جاهدةً لاحتواء أزمة عالمية، من المفيد التذكير بالنجاح الذي قد تحققه جهود تلك الهيئات، لم تنقطع البلاغات عن حالات إصابات الرئة المرتبطة بالتدخين الإلكتروني مثل حالة ماركوس، لكن الأرقام انخفضت انخفاضًا كبيرًا منذ التعرُّف على الأسباب، يقول كِنج: "وصلنا إلى الذروة في سبتمبر 2019، ولكن عدد الحالات في تراجُع منذ ذلك الحين"، يعتقد كِنج وخبراء آخرون أن التحذيرات التي صدرت على المستوى العام قد رفعت من درجة الوعي، بل ربما تكون قد دفعت منتجي سوائل «رباعي هيدروكانابينول» المستخدمة في السجائر الإلكترونية إلى التوقف عن حشو بضاعتهم بالفيتامين، الذي كان يُستخدَم لزيادة الكمية وصناعة المنتج بأسعار أرخص.

يُعد «EVALI» واحدًا من ثلاثة أمراض على الأقل يسببها استخدام منتجات التدخين الإلكتروني أو تدخين السجائر الإلكترونية، تُعزى الندوب التي تصيب الحويصلات الهوائية الدقيقة في الرئة فيما يُعرَف بين عامة الناس باسم «رئة الفشار» (Popcorn lung) إلى السوائل الموجودة في السجائر الإلكترونية التي تحتوي على «ثنائي الأسيتيل» diacetyl، وهي نكهة كانت تُضاف في المعتاد إلى الفشار، كما ترتبط السجائر الإلكترونية المحتوية على النيكوتين بنوع من أنواع الالتهاب الرئوي، تقول كروتي ألكسندر: "يعتقد الكثير من الناس أن التدخين الإلكتروني آمن بشكل عام، ولكن هناك الآلاف من المواد الكيميائية التي تضاف إلى تلك السجائر لأجل النكهة والمذاق في الفم وكذلك شكل سحابة الدخان المنبعثة"، وللأسف فإن المخاطر المترتبة على استخدام العديد من تلك الإضافات لا تزال مجهولة.

يقول ما يقرب من عشرين في المئة من طلاب المدارس الثانوية الأمريكية إنهم يستخدمون نوعًا من السجائر الإلكترونية أو أجهزة التدخين الإلكتروني، وتقل هذه النسبة عن مثيلتها التي بلغت 27.5% في عام 2019، ويعكس الانخفاض على الأرجح ما اتخذته السلطات الفيدرالية من إجراءات تنظيمية ورقابية، تتضمن رفع الحد الأدنى للسن المسموح فيها بشراء منتجات التبغ من 18 إلى 21 عامًا، وحظر العبوات ذات مذاق الفواكه والحلوى، التي تجذب المستخدمين من الشباب، لكن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على «رباعي هيدروكانابينول»، وفق قول كروتي ألكسندر، أكثر صعوبةً من حيث التنظيم والرقابة؛ لأن معظم مَن يتولون صناعتها منتجون صغار وغير معروفين بصفة رسمية، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني وفق نظام الولاية.

تعكف كروتي ألكسندر وباحثون آخرون حاليًّا على البحث في النتائج والآثار طويلة المدى لإصابات الرئة المرتبطة بتدخين السجائر الإلكترونية أو استخدام منتجات التدخين الإلكتروني «EVALI»، يُظهِر معظم المرضى استجابةً جيدةً للعلاج بالستيرويدات والدعم بالأكسجين إذا لزم الأمر، وعلى ما يبدو فإنهم يتعافون بصورة جيدة، ومن ضمنهم ماركوس، تقول كروتي ألكسندر: "إننا محظوظون للغاية لأننا قد تعرفنا بالفعل على إصابات الرئة الناتجة عن «EVALI» عندما اجتاح كوفيد العالم"، وإلا فقد كان من الممكن ألا نتنبَّه للمؤشرات الدالة على ذلك الاضطراب الرئوي الخطير في خضم الجائحة.

الأربعاء، 3 مارس 2021

مارس 03, 2021

تحذيرات من خطورة «كوفيد-19» على الصحة العقلية



 لم يخطر ببال "خالد"، ذي الأربعين عامًا، أن تكون إصابته بـ"كوفيد-19" مصدرًا لمعاناته من حالة القلق والاضطراب المزدوج ثنائي القطب (الاكتئاب الهوسي)، وفق تشخيص طبيبه المعالج.

يقول "خالد" الذي رفض ذكر اسمه صراحة، في تصريحات لـ"للعلم": أُصبت بمرض "كوفيد-19"، وكان عليَّ الخضوع للعزلة في حجرتي وحيدًا بعيدًا عن أهلي وزملائي في العمل، كنت أخرج فقط لتلقِّي المشورة الطبية، وخوفي من نقل فيروس "كورونا المستجد" إلى أيٍّ من أفراد عائلتي، أصابني بحالة اكتئاب شديدة ما زالت تؤثر عليَّ حتى الآن، رغم شفائي التام من ذلك المرض الذي فرض على الجميع طريقةَ حياة جديدةً ومختلفة.

ويتسبب الاضطراب ثنائي القطب في تقلُّبات مزاجية مفرطة، تتضمن الارتفاعات العاطفية مثل الهوس أو الهوس الخفيف، والانخفاضات العاطفية مثل الاكتئاب.

في هذا السياق، تشير دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعتي "نورث وسترن" الأمريكية و"ويتواترسراند" جنوب الأفريقية إلى أنه "منذ فترة طويلة تم الاعتراف بوجود ارتباط بين الاكتئاب وقضايا مثل الجوع والعنف وسوء الرعاية الصحية وارتفاع معدلات الفقر، ولكن هذه الدراسة هي الأولى التي تبحث آثار الإصابة بكوفيد-19 والخضوع للعزل الصحي على الصحة العقلية.

أُجريت الدراسة التي نشرتها دورية "سيكولوجيكال ميديسن" (Psychological Medicine)، على عينة من سكان بلدة "سويتو" الواقعة على بُعد عشرين كيلومترًا غرب مدينة جوهانسبرج، وهي بلدة أغلب سكانها من ذوي الدخل المنخفض، ويقيم فيها أكثر من مليون شخص أغلبهم من السود، ويمثلون هويات عرقية مختلفة، وينتمي أغلبهم إلى الطبقة الوسطى العاملة.

ضمت عينة البحث 957 بالغًا، جميعهم من سكان "سويتو"، الذين سبق أن تم تسجيل بياناتهم في دراسة سابقة استهدفت مراقبة التداعيات الصحية والعقلية -مثل الاكتئاب والقلق- التي تصاحب الإصابة بأمراض مثل السل وفيروس نقص المناعة البشرية وأمراض القلب والأوعية الدموية.

إرث الفصل العنصري

تواصل الباحثون مع أفراد العينة لمعرفة تداعيات تعرُّضهم للإغلاق الوطني، وانتهوا إلى أنه أدى إلى تهديدات خطيرة للصحة العقلية العامة، وخاصةً بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الحرمان الاجتماعي والاقتصادي.

يقول أندرو وويونج كيم –الباحث في قسم الأنثروبولوجي بجامعة نورث ويسترن، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": اقتصرت الدراسة على الأسابيع الستة الأولى من فرض الإغلاق بسبب كوفيد-19 في جنوب أفريقيا، والتي امتدت من أواخر مارس وحتى أوائل مايو، وتمكنَّا من مقابلة 334 شخصًا. ثم تقلص حجم العينة التحليلية إلى 221 شخصًا فقط، وهو عدد المشاركين الذين لديهم تصوُّر كامل حول علاقة كوفيد-19 بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات العقلية.

أكدت الدراسة أن كوفيد-19، وما تبعه من تداعيات، مثل إجراءات الإغلاق الوطني العام والحجر الصحي والعزل، أدى إلى زيادة الضغوط النفسية والاجتماعية على الأُسر الضعيفة والفقيرة والتي تعاني من ظروف سيئة مثل البطالة، وانعدام الأمن الغذائي، ما يزيد من خطر تعرُّضها للإصابة بالأمراض النفسية، خاصةً الأشخاص الذين عانوا –في السابق- من القلق ومن صدمات الطفولة ومن آثار الفقر والحرمان.

وأوضحت النتائج أن "14.5٪ ممن شملهم الاستطلاع معرضون لخطر الإصابة بالاكتئاب، وأن 20% منهم ذكروا أن كوفيد-19 تسبَّب في قلقهم العميق ودفعهم إلى التفكير كثيرًا في الفيروس وتأثيره على أوضاعهم الاجتماعية والصحية".

وفي حين أن الغالبية لا يعتقدون أن كوفيد-19 أثر على صحتهم العقلية، فإن البيانات، وما قاله الناس عن تأثيره على حياتهم، تشير إلى خلاف ذلك.

حالة خاصة

تشير الورقة التي تحتل أهميةً كبيرةً في ظل تصاعُد الحديث حول الموجة الثانية للفيروس، إلى أن "الإغلاق تسبَّب في تزايُد مخاطر التعرُّض للاكتئاب والقلق على الصعيد العالمي، لكن حالة جنوب أفريقيا تُعَد حالةً خاصةً ومختلفة؛ بسبب التاريخ الطويل الذي عاشته من جَرَّاء الفصل العنصري، ما دفع العالم إلى مراقبة كيف سيؤثر الفيروس التاجي الجديد على سكان ذلك البلد من النواحي البيولوجية والاجتماعية والنفسية".

ومنذ تفشِّي جائحة "كوفيد-19"، "مثلت جنوب أفريقيا حالةً ملفتةً لأنظار العالم"، وفق نتائح دراسة أجراها سليم عبد الكريم، رئيس اللجنة الاستشارية الوزارية بشأن فيروس كورونا في جنوب أفريقيا، ونُشرت يونيو الماضي في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين الشهيرة.

يشير "عبد الكريم" إلى أن "انتشار الفقر والبطالة يعني باختصار أن كثيرًا من الناس الذين يعيشون في مناطق عشوائية، حيث تطبيق الإجراءات الوقائية مثل غسل اليدين والتباعد الاجتماعي أمرٌ صعب؛ إذ تعاني هذه المجتمعات من ضعف خدمات الرعاية الصحية العامة، كما أن أكثر من 80٪ من سكان جنوب أفريقيا ليس لديهم تأمين طبي، وهناك 7.9 ملايين شخص من المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، فضلًا عن إصابة حوالي ربع مليون شخص بالسل في عام 2018".

يضيف "عبد الكريم": يمكن أن يزيد كوفيد-19 الضغوط الشديدة على نظام الرعاية الصحية المثقل بالفعل، وخاصةً بالنسبة للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أو السل، وتلوح في الأفق إمكانية حدوث ضربة مزدوجة مع استعداد جنوب أفريقيا لاستقبال الإنفلونزا الموسمية.

قرار حاسم

يعلق "كيم" قائلًا: كان قرار السلطات جنوب الأفريقية بالإغلاق الوطني حاسمًا مع ظهور أول حالة مصابة بمرض كوفيد-19 بالبلد في مارس الماضي؛ إذ أعلنت الحكومة الإغلاق العام لأنها اكتشفت تزايُد الحالات مع التهاون في الإغلاق. وللأسف كان لانكماش الاقتصاد عواقب مهمة على المدى الطويل، فقد أدت القيود المفروضة على الحركة في مرافق الرعاية الصحية إلى تباطؤ تقديم خدمات الرعاية للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية على سبيل المثال، وقد يؤدي نقص الموارد والاحتياجات الأساسية إلى زيادة مخاطر الصحة النفسية المجتمعية السيئة وانتقال الأمراض المعدية.

ويضيف "كيم": يزداد التأثير النفسي على الأشخاص الذين عانوا من مستويات أعلى من صدمات الطفولة؛ فخلال الأسابيع الستة الأولى من الإغلاق الوطني، تزايدت الضغوط على الأفراد الذين يعانون من الصراعات الأسرية، وتعاطي المخدرات والإفراط في شرب الخمر، وسجن أحد أفراد الأسرة، وإصابة أحد أفراد الأسرة بمرض مزمن.

ويرى "كيم" أنه "من الصعب تحقيق التوازن بين الاهتمام بالصحة العقلية للمواطنين والحد من انتشار المرض بالنسبة للطبقات محدودة الموارد، وأن فكرة عزل المريض قد تكون أكثر سلبيةً من تأثير المرض نفسه، ويعتمد هذا على الظروف المحيطة به".

ويؤكد "كيم" أن عواقب الإغلاق تختلف وفق الظروف الصحية المحيطة بالأشخاص؛ إذ رصد العاملون في مجال الرعاية الصحية والأطباء النفسيين ظهور نتائج نفسية أسوأ بين المرضى؛ نتيجة صعوبة الوصول إلى الأدوية والعلاجات بسبب الحظر الإجباري وانخفاض المخزون الوطني من الأدوية، ما أدى إلى انتكاس المرضى في جميع أنحاء البلاد.

ويتابع: من المتوقع أن يكون للآثار الاجتماعية والاقتصادية للحظر آثارٌ أسوأ وأطول، وهو ما يؤدي إلى عبء نفسي يجب التفكير في تخفيفه، خاصةً أن العواقب النفسية للإغلاق قد تكون أطول من المتوقع.

محدودية الموارد.. مصر نموذجًا

من جهته، يشدد أحمد عرفة -أستاذ الصحة العامة بجامعة أوساكا اليابانية- على أن تأثير العزلة التي فرضها فيروس كورونا المستجد يزداد على المجتمعات محدودة الموارد.

يقول "عرفة" في تصريحات لـ"للعلم": سبق أن أُجريت دراسة بالتعاون مع باحثين من كلية الطب بجامعة بني سويف لتقييم مدى انتشار الاكتئاب والقلق والتوتر وعدم كفاية النوم في مصر خلال جائحة فيروس كورونا.

وأضاف: مصر من أكثر البلدان تضررًا في منطقة شرق البحر المتوسط، في ظل وجود 11228 حالة مؤكدة و592 حالة وفاة، وفق الإحصائيات وقت الدراسة، التي جرت في الفترة ما بين 16 إلى 30 إبريل 2020.

أُجريت الدراسة على 1629 شخصًا من أربع محافظات مصرية (25.0٪ من الإسكندرية، 24.5٪ من القاهرة، 25.1٪ من بني سويف، 25.4٪ من أسيوط)، وكانت أعمار قرابة 48% منهم أكبر من/أو تساوي 30 عامًا، و42.4% منهم من الرجال، و20% يعملون في القطاع الصحي، وذلك في الفترة ما بين 16 و30 أبريل 2020.

طلب الباحثون من المشاركين ملء استبانة لتقييم الخصائص الاجتماعية والديموغرافية، وساعات النوم يوميًّا، والاضطرابات النفسية (الاكتئاب والقلق والتوتر)، وأبلغ المشاركون عن انتشار مرتفع للاكتئاب بنسبة بلغت 67.1٪، وتنوعت شدة الإصابة بين خفيف إلى متوسط ​​44.6٪، وشديد إلى شديد للغاية 22.5٪، في حين ذكر 53.5٪ من المشاركين تعرُّضهم للقلق، وتنوعت شدة القلق بين خفيف إلى معتدل 30.6٪، وشديد إلى شديد للغاية 22.9٪، بينما اشتكى 48.8% من الإجهاد والتوتر، بشدة تراوحت بين خفيف إلى معتدل 33.8٪، وشديد إلى شديد للغاية 15.0٪، فضلًا عن شكوى 23.1% من المشاركين من عدم كفاية النوم (النوم لمدة تبلغ أقل من 6 ساعات يوميًّا)، ما يعني تزايُد احتمالات ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق والضغط العصبي، بسبب الإغلاق وتقييد الحركة في بلد مثل مصر التي تزداد فيها الطبقات منخفضة ومتوسطة الدخل، وتعاني من محدودية احتياطات مكافحة العدوى، وبرامج المراقبة، والقدرات المختبرية، وموارد الصحة العامة، الأمر الذي يجعل الآثار النفسية للوباء على الجمهور أسوأ.

يضيف "عرفة": على الرغم من أن هذه الدراسة قيَّمت الآثار النفسية لوباء كوفيد-19 على عينة كبيرة من مستخدمي الإنترنت من شمال مصر وجنوبها، إلا أننا لا يمكننا ضمان تمثيل المجتمع ككل؛ لأن جميع المشاركين كانوا من مستخدمي الإنترنت الذين يمكنهم القراءة والكتابة، فى حين أن مصر تعاني من ارتفاع معدلات الأمية، ويختلف الأميون اختلافًا كبيرًا عن المتعلمين من حيث خصائصهم الاجتماعية والديموغرافية، ومع ذلك يمكننا القول بأن الآثار النفسية لوباء كوفيد-19 على الجمهور كانت هائلة، خاصةً بين النساء الذين كنَّ أكثر عرضةً للاضطرابات النفسية من الرجال.

الدعم النفسي

يوصي "كيم" بضرورة تقديم الدعم النفسي لسكان المناطق النائية والفقيرة، مضيفًا أن "الدعم النفسي لا يقل أهميةً عن العلاج ذاته، ويجب إعادة تخصيص الأموال لزيادة القدرة المالية للرعاية النفسية والاجتماعية والنفسية، والعمل على توصيل خدمات الدعم النفسي بصورة أفضل، وهو ما انتبهت إليه جنوب أفريقيا، التي تمتلك منصة لـ"التطبيب عن بُعد".

ويتابع: في جنوب أفريقيا، كان لدى أكثر من 96٪ من الأسر إمكانية الوصول إلى هاتف محمول أو خط أرضي وفقًا لمسح الإحصاء المنزلي عام 2018 في جنوب أفريقيا. ومع احتمال حدوث إغلاق ثانٍ سيكون البلد أكثر استعدادًا لتحمُّل آثاره، وسيكون الناس والمجتمعات والمؤسسات أكثر استعدادًا لمواجهته.

من جهتها، تتفق زينب محمد -مدرس الصحة العامة المساعد بطب بني سويف، والتي شاركت في دراسة وصفية مشتركة بين مصر والسعودية حول تأثير التعامل مع جائحة كورونا على العاملين في المجال الصحي- مع توصيات "كيم".

تقول "زينب" في تصريحات لـ"للعلم": أُجريت الدراسة التي شاركتُ فيها على 426 عاملًا في الرعاية الصحية (275 من مصر و151 من المملكة العربية السعودية)، ووجدنا أن نسبة من العاملين في مجال الرعاية الصحية عانوا من الاكتئاب والقلق والتوتر وقلة النوم في أثناء جائحة كورونا؛ إذ عانى 69% من الاكتئاب، و58.9% من القلق،  و55.9% من الضغط النفسي، و37.3٪ من النوم غير الكافي.

تضيف "زينب": التأثيرات ستكون أخف نفسيًّا في حالة الموجة الثانية من كورونا، وسيختلف الأمر من دولة إلى أخرى وفق الإمكانيات وجاهزية الاستعداد، وينبغي الاستمرار في تقديم الدعم النفسي وتوفير المستلزمات الطبية لمَن يعيشون في الأحياء الفقيرة دون تجاهُل تقديم الخدمات نفسها للقائمين على الخدمة الصحية، خاصةً مَن يتعاملون مع كبار السن والأطفال؛ لأنهم يكونون عرضةً أكثر للضغط النفسي من غيرهم، خوفًا من تأذِّي أهلهم.

بدوره، يرى جمال فرويز -الاستشاري النفسي في الأكاديمية الطبية العسكرية- أن الحالة العامة التي يخلقها الوباء، من موجات هلع وغموض للمستقبل، والعزلة الاجتماعية، وغيرها من الظواهر المرتبطة بالوباء ستصيب المناعة النفسية وتجعل أعدادًا أكبر من الأشخاص عرضةً للاضطرابات النفسية وأهمها الاكتئاب.

يضيف "فرويز" أن "تأثير الصدمة سيكون أقل في الموجة الثانية؛ لأن الناس أصبحت أكثر إدراكًا للأمر وأقل تأثرًا بالصدمة"، محذرًا من أن "هذا قد يؤدي إلى إهمال إجراءات الوقاية، ما يستوجب اتباع الإجراءات الاحترازية والتمسك بها، ولكن دون نشر الذعر"، وفق قوله.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *