الموارد التعليمية أصبحت في متناول يدك كل ما يخص الشأن التعليمي في الوطن العربي

آخر المواضيع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصحة النفسية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الصحة النفسية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 3 مارس 2021

مارس 03, 2021

تحذيرات من خطورة «كوفيد-19» على الصحة العقلية



 لم يخطر ببال "خالد"، ذي الأربعين عامًا، أن تكون إصابته بـ"كوفيد-19" مصدرًا لمعاناته من حالة القلق والاضطراب المزدوج ثنائي القطب (الاكتئاب الهوسي)، وفق تشخيص طبيبه المعالج.

يقول "خالد" الذي رفض ذكر اسمه صراحة، في تصريحات لـ"للعلم": أُصبت بمرض "كوفيد-19"، وكان عليَّ الخضوع للعزلة في حجرتي وحيدًا بعيدًا عن أهلي وزملائي في العمل، كنت أخرج فقط لتلقِّي المشورة الطبية، وخوفي من نقل فيروس "كورونا المستجد" إلى أيٍّ من أفراد عائلتي، أصابني بحالة اكتئاب شديدة ما زالت تؤثر عليَّ حتى الآن، رغم شفائي التام من ذلك المرض الذي فرض على الجميع طريقةَ حياة جديدةً ومختلفة.

ويتسبب الاضطراب ثنائي القطب في تقلُّبات مزاجية مفرطة، تتضمن الارتفاعات العاطفية مثل الهوس أو الهوس الخفيف، والانخفاضات العاطفية مثل الاكتئاب.

في هذا السياق، تشير دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعتي "نورث وسترن" الأمريكية و"ويتواترسراند" جنوب الأفريقية إلى أنه "منذ فترة طويلة تم الاعتراف بوجود ارتباط بين الاكتئاب وقضايا مثل الجوع والعنف وسوء الرعاية الصحية وارتفاع معدلات الفقر، ولكن هذه الدراسة هي الأولى التي تبحث آثار الإصابة بكوفيد-19 والخضوع للعزل الصحي على الصحة العقلية.

أُجريت الدراسة التي نشرتها دورية "سيكولوجيكال ميديسن" (Psychological Medicine)، على عينة من سكان بلدة "سويتو" الواقعة على بُعد عشرين كيلومترًا غرب مدينة جوهانسبرج، وهي بلدة أغلب سكانها من ذوي الدخل المنخفض، ويقيم فيها أكثر من مليون شخص أغلبهم من السود، ويمثلون هويات عرقية مختلفة، وينتمي أغلبهم إلى الطبقة الوسطى العاملة.

ضمت عينة البحث 957 بالغًا، جميعهم من سكان "سويتو"، الذين سبق أن تم تسجيل بياناتهم في دراسة سابقة استهدفت مراقبة التداعيات الصحية والعقلية -مثل الاكتئاب والقلق- التي تصاحب الإصابة بأمراض مثل السل وفيروس نقص المناعة البشرية وأمراض القلب والأوعية الدموية.

إرث الفصل العنصري

تواصل الباحثون مع أفراد العينة لمعرفة تداعيات تعرُّضهم للإغلاق الوطني، وانتهوا إلى أنه أدى إلى تهديدات خطيرة للصحة العقلية العامة، وخاصةً بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الحرمان الاجتماعي والاقتصادي.

يقول أندرو وويونج كيم –الباحث في قسم الأنثروبولوجي بجامعة نورث ويسترن، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": اقتصرت الدراسة على الأسابيع الستة الأولى من فرض الإغلاق بسبب كوفيد-19 في جنوب أفريقيا، والتي امتدت من أواخر مارس وحتى أوائل مايو، وتمكنَّا من مقابلة 334 شخصًا. ثم تقلص حجم العينة التحليلية إلى 221 شخصًا فقط، وهو عدد المشاركين الذين لديهم تصوُّر كامل حول علاقة كوفيد-19 بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات العقلية.

أكدت الدراسة أن كوفيد-19، وما تبعه من تداعيات، مثل إجراءات الإغلاق الوطني العام والحجر الصحي والعزل، أدى إلى زيادة الضغوط النفسية والاجتماعية على الأُسر الضعيفة والفقيرة والتي تعاني من ظروف سيئة مثل البطالة، وانعدام الأمن الغذائي، ما يزيد من خطر تعرُّضها للإصابة بالأمراض النفسية، خاصةً الأشخاص الذين عانوا –في السابق- من القلق ومن صدمات الطفولة ومن آثار الفقر والحرمان.

وأوضحت النتائج أن "14.5٪ ممن شملهم الاستطلاع معرضون لخطر الإصابة بالاكتئاب، وأن 20% منهم ذكروا أن كوفيد-19 تسبَّب في قلقهم العميق ودفعهم إلى التفكير كثيرًا في الفيروس وتأثيره على أوضاعهم الاجتماعية والصحية".

وفي حين أن الغالبية لا يعتقدون أن كوفيد-19 أثر على صحتهم العقلية، فإن البيانات، وما قاله الناس عن تأثيره على حياتهم، تشير إلى خلاف ذلك.

حالة خاصة

تشير الورقة التي تحتل أهميةً كبيرةً في ظل تصاعُد الحديث حول الموجة الثانية للفيروس، إلى أن "الإغلاق تسبَّب في تزايُد مخاطر التعرُّض للاكتئاب والقلق على الصعيد العالمي، لكن حالة جنوب أفريقيا تُعَد حالةً خاصةً ومختلفة؛ بسبب التاريخ الطويل الذي عاشته من جَرَّاء الفصل العنصري، ما دفع العالم إلى مراقبة كيف سيؤثر الفيروس التاجي الجديد على سكان ذلك البلد من النواحي البيولوجية والاجتماعية والنفسية".

ومنذ تفشِّي جائحة "كوفيد-19"، "مثلت جنوب أفريقيا حالةً ملفتةً لأنظار العالم"، وفق نتائح دراسة أجراها سليم عبد الكريم، رئيس اللجنة الاستشارية الوزارية بشأن فيروس كورونا في جنوب أفريقيا، ونُشرت يونيو الماضي في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين الشهيرة.

يشير "عبد الكريم" إلى أن "انتشار الفقر والبطالة يعني باختصار أن كثيرًا من الناس الذين يعيشون في مناطق عشوائية، حيث تطبيق الإجراءات الوقائية مثل غسل اليدين والتباعد الاجتماعي أمرٌ صعب؛ إذ تعاني هذه المجتمعات من ضعف خدمات الرعاية الصحية العامة، كما أن أكثر من 80٪ من سكان جنوب أفريقيا ليس لديهم تأمين طبي، وهناك 7.9 ملايين شخص من المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، فضلًا عن إصابة حوالي ربع مليون شخص بالسل في عام 2018".

يضيف "عبد الكريم": يمكن أن يزيد كوفيد-19 الضغوط الشديدة على نظام الرعاية الصحية المثقل بالفعل، وخاصةً بالنسبة للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أو السل، وتلوح في الأفق إمكانية حدوث ضربة مزدوجة مع استعداد جنوب أفريقيا لاستقبال الإنفلونزا الموسمية.

قرار حاسم

يعلق "كيم" قائلًا: كان قرار السلطات جنوب الأفريقية بالإغلاق الوطني حاسمًا مع ظهور أول حالة مصابة بمرض كوفيد-19 بالبلد في مارس الماضي؛ إذ أعلنت الحكومة الإغلاق العام لأنها اكتشفت تزايُد الحالات مع التهاون في الإغلاق. وللأسف كان لانكماش الاقتصاد عواقب مهمة على المدى الطويل، فقد أدت القيود المفروضة على الحركة في مرافق الرعاية الصحية إلى تباطؤ تقديم خدمات الرعاية للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية على سبيل المثال، وقد يؤدي نقص الموارد والاحتياجات الأساسية إلى زيادة مخاطر الصحة النفسية المجتمعية السيئة وانتقال الأمراض المعدية.

ويضيف "كيم": يزداد التأثير النفسي على الأشخاص الذين عانوا من مستويات أعلى من صدمات الطفولة؛ فخلال الأسابيع الستة الأولى من الإغلاق الوطني، تزايدت الضغوط على الأفراد الذين يعانون من الصراعات الأسرية، وتعاطي المخدرات والإفراط في شرب الخمر، وسجن أحد أفراد الأسرة، وإصابة أحد أفراد الأسرة بمرض مزمن.

ويرى "كيم" أنه "من الصعب تحقيق التوازن بين الاهتمام بالصحة العقلية للمواطنين والحد من انتشار المرض بالنسبة للطبقات محدودة الموارد، وأن فكرة عزل المريض قد تكون أكثر سلبيةً من تأثير المرض نفسه، ويعتمد هذا على الظروف المحيطة به".

ويؤكد "كيم" أن عواقب الإغلاق تختلف وفق الظروف الصحية المحيطة بالأشخاص؛ إذ رصد العاملون في مجال الرعاية الصحية والأطباء النفسيين ظهور نتائج نفسية أسوأ بين المرضى؛ نتيجة صعوبة الوصول إلى الأدوية والعلاجات بسبب الحظر الإجباري وانخفاض المخزون الوطني من الأدوية، ما أدى إلى انتكاس المرضى في جميع أنحاء البلاد.

ويتابع: من المتوقع أن يكون للآثار الاجتماعية والاقتصادية للحظر آثارٌ أسوأ وأطول، وهو ما يؤدي إلى عبء نفسي يجب التفكير في تخفيفه، خاصةً أن العواقب النفسية للإغلاق قد تكون أطول من المتوقع.

محدودية الموارد.. مصر نموذجًا

من جهته، يشدد أحمد عرفة -أستاذ الصحة العامة بجامعة أوساكا اليابانية- على أن تأثير العزلة التي فرضها فيروس كورونا المستجد يزداد على المجتمعات محدودة الموارد.

يقول "عرفة" في تصريحات لـ"للعلم": سبق أن أُجريت دراسة بالتعاون مع باحثين من كلية الطب بجامعة بني سويف لتقييم مدى انتشار الاكتئاب والقلق والتوتر وعدم كفاية النوم في مصر خلال جائحة فيروس كورونا.

وأضاف: مصر من أكثر البلدان تضررًا في منطقة شرق البحر المتوسط، في ظل وجود 11228 حالة مؤكدة و592 حالة وفاة، وفق الإحصائيات وقت الدراسة، التي جرت في الفترة ما بين 16 إلى 30 إبريل 2020.

أُجريت الدراسة على 1629 شخصًا من أربع محافظات مصرية (25.0٪ من الإسكندرية، 24.5٪ من القاهرة، 25.1٪ من بني سويف، 25.4٪ من أسيوط)، وكانت أعمار قرابة 48% منهم أكبر من/أو تساوي 30 عامًا، و42.4% منهم من الرجال، و20% يعملون في القطاع الصحي، وذلك في الفترة ما بين 16 و30 أبريل 2020.

طلب الباحثون من المشاركين ملء استبانة لتقييم الخصائص الاجتماعية والديموغرافية، وساعات النوم يوميًّا، والاضطرابات النفسية (الاكتئاب والقلق والتوتر)، وأبلغ المشاركون عن انتشار مرتفع للاكتئاب بنسبة بلغت 67.1٪، وتنوعت شدة الإصابة بين خفيف إلى متوسط ​​44.6٪، وشديد إلى شديد للغاية 22.5٪، في حين ذكر 53.5٪ من المشاركين تعرُّضهم للقلق، وتنوعت شدة القلق بين خفيف إلى معتدل 30.6٪، وشديد إلى شديد للغاية 22.9٪، بينما اشتكى 48.8% من الإجهاد والتوتر، بشدة تراوحت بين خفيف إلى معتدل 33.8٪، وشديد إلى شديد للغاية 15.0٪، فضلًا عن شكوى 23.1% من المشاركين من عدم كفاية النوم (النوم لمدة تبلغ أقل من 6 ساعات يوميًّا)، ما يعني تزايُد احتمالات ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق والضغط العصبي، بسبب الإغلاق وتقييد الحركة في بلد مثل مصر التي تزداد فيها الطبقات منخفضة ومتوسطة الدخل، وتعاني من محدودية احتياطات مكافحة العدوى، وبرامج المراقبة، والقدرات المختبرية، وموارد الصحة العامة، الأمر الذي يجعل الآثار النفسية للوباء على الجمهور أسوأ.

يضيف "عرفة": على الرغم من أن هذه الدراسة قيَّمت الآثار النفسية لوباء كوفيد-19 على عينة كبيرة من مستخدمي الإنترنت من شمال مصر وجنوبها، إلا أننا لا يمكننا ضمان تمثيل المجتمع ككل؛ لأن جميع المشاركين كانوا من مستخدمي الإنترنت الذين يمكنهم القراءة والكتابة، فى حين أن مصر تعاني من ارتفاع معدلات الأمية، ويختلف الأميون اختلافًا كبيرًا عن المتعلمين من حيث خصائصهم الاجتماعية والديموغرافية، ومع ذلك يمكننا القول بأن الآثار النفسية لوباء كوفيد-19 على الجمهور كانت هائلة، خاصةً بين النساء الذين كنَّ أكثر عرضةً للاضطرابات النفسية من الرجال.

الدعم النفسي

يوصي "كيم" بضرورة تقديم الدعم النفسي لسكان المناطق النائية والفقيرة، مضيفًا أن "الدعم النفسي لا يقل أهميةً عن العلاج ذاته، ويجب إعادة تخصيص الأموال لزيادة القدرة المالية للرعاية النفسية والاجتماعية والنفسية، والعمل على توصيل خدمات الدعم النفسي بصورة أفضل، وهو ما انتبهت إليه جنوب أفريقيا، التي تمتلك منصة لـ"التطبيب عن بُعد".

ويتابع: في جنوب أفريقيا، كان لدى أكثر من 96٪ من الأسر إمكانية الوصول إلى هاتف محمول أو خط أرضي وفقًا لمسح الإحصاء المنزلي عام 2018 في جنوب أفريقيا. ومع احتمال حدوث إغلاق ثانٍ سيكون البلد أكثر استعدادًا لتحمُّل آثاره، وسيكون الناس والمجتمعات والمؤسسات أكثر استعدادًا لمواجهته.

من جهتها، تتفق زينب محمد -مدرس الصحة العامة المساعد بطب بني سويف، والتي شاركت في دراسة وصفية مشتركة بين مصر والسعودية حول تأثير التعامل مع جائحة كورونا على العاملين في المجال الصحي- مع توصيات "كيم".

تقول "زينب" في تصريحات لـ"للعلم": أُجريت الدراسة التي شاركتُ فيها على 426 عاملًا في الرعاية الصحية (275 من مصر و151 من المملكة العربية السعودية)، ووجدنا أن نسبة من العاملين في مجال الرعاية الصحية عانوا من الاكتئاب والقلق والتوتر وقلة النوم في أثناء جائحة كورونا؛ إذ عانى 69% من الاكتئاب، و58.9% من القلق،  و55.9% من الضغط النفسي، و37.3٪ من النوم غير الكافي.

تضيف "زينب": التأثيرات ستكون أخف نفسيًّا في حالة الموجة الثانية من كورونا، وسيختلف الأمر من دولة إلى أخرى وفق الإمكانيات وجاهزية الاستعداد، وينبغي الاستمرار في تقديم الدعم النفسي وتوفير المستلزمات الطبية لمَن يعيشون في الأحياء الفقيرة دون تجاهُل تقديم الخدمات نفسها للقائمين على الخدمة الصحية، خاصةً مَن يتعاملون مع كبار السن والأطفال؛ لأنهم يكونون عرضةً أكثر للضغط النفسي من غيرهم، خوفًا من تأذِّي أهلهم.

بدوره، يرى جمال فرويز -الاستشاري النفسي في الأكاديمية الطبية العسكرية- أن الحالة العامة التي يخلقها الوباء، من موجات هلع وغموض للمستقبل، والعزلة الاجتماعية، وغيرها من الظواهر المرتبطة بالوباء ستصيب المناعة النفسية وتجعل أعدادًا أكبر من الأشخاص عرضةً للاضطرابات النفسية وأهمها الاكتئاب.

يضيف "فرويز" أن "تأثير الصدمة سيكون أقل في الموجة الثانية؛ لأن الناس أصبحت أكثر إدراكًا للأمر وأقل تأثرًا بالصدمة"، محذرًا من أن "هذا قد يؤدي إلى إهمال إجراءات الوقاية، ما يستوجب اتباع الإجراءات الاحترازية والتمسك بها، ولكن دون نشر الذعر"، وفق قوله.

مارس 03, 2021

التبعاتُ المُفاجئة لمرض «كوفيد-19» على الصحة النفسية


 

لم نكن بحاجةٍ إلى بلورةٍ سحريةٍ للتنبؤ بحقيقة أنه سينجم عن جائحة «كوفيد-19» آثارٌ مُدمِّرةٌ على الصحة النفسية؛ فمن المعلوم أن المرض أو الخوف من المرض، والعزلة الاجتماعية، وعدم الأمن الاقتصادي، واضطراب روتين الحياة، وفقدان الأحباء هي عوامل خطورة ترتبط بالإصابة بالاكتئاب والقلق، وقد أكَّدت الدراسات تلك التنبؤات في الوقت الحالي، غير أن علماء النفس يقولون إن النتائج تتضمن مُفاجآت حول المدى الواسع للاضطراب النفسي، وكيف أدى التعرُّض لوسائل الإعلام إلى تفاقمه، وكيف أثَّرت الجائحة بشكلٍ سيئ على الشباب.

فعلى سبيل المثال، رصد تقريرٌ نشرته المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في أُغسطس، تضاعُف أعراض القلق ثلاث مراتٍ، في حين تضاعفت معدلات الاكتئاب أربع مرات بين 5470 شخصًا بالغًا شملهم الاستطلاع، وذلك مقارنةً بعينة عام 2019، وقد أُجري استطلاعان تمثيليان في أبريل على المستوى الوطني، أحدهما بواسطة باحثين في كلية الصحة العامة بجامعة بوسطن والآخر في جامعة جونز هوبكنز، وتوصلا بالمثل إلى أن معدل انتشار أعراض الاكتئاب (استطلاع جامعة بوسطن) و"الاضطرابات النفسية الخطيرة" (استطلاع هوبكنز) بلغا ثلاثة أضعاف المستوى الذي قيس عام 2018، تقول كاثرين إتمان، الباحثة التي أشرفت على دراسة جامعة بوسطن: "كانت تلك المعدلات أعلى مما رصدنا في أعقاب صدمات أخرى جِسامٍ مثل أحداث 11 سبتمبر وإعصار كاترينا واضطرابات هونج كونج".

وقد أظهرت هذه الدراسات أن الفئات الأكثر تضرُّرًا شملت أشخاصًا يعانون من مشكلاتٍ نفسية سابقة، وأفرادًا ذوي دخلٍ منخفضٍ، وأشخاصًا ذوي بشرة مُلونة، وأشخاصًا لهم صلة بشخصٍ أُصيب بمرض «كوفيد-19» أو فارق الحياة بسببه، ولكن في دراسة إتمان، كانت المجموعة التي سجلت أكبر ارتفاع -يصل إلى 5 أضعاف- في معدل الإصابة بالاكتئاب في الولايات المتحدة ذات أصولٍ آسيوية، وفي تعليق مُصاحب، اقترحت اختصاصية الطب النفسي روث شيم أن الزيادة المُفاجئة قد تعكس تأثير العنصرية وأشكال القدح والتشهير المتعلقة بمنشأ الجائحة في الصين.

وكانت النتيجة غير المتوقعة على صعيد الاستطلاعات الثلاثة، هي التأثير الهائل على الشباب؛ فقد أفادت دراسة أجرتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أن 62.9% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يعانون من اضطراب القلق أو الاكتئاب، وقال رُبع المشاركين إنهم يستخدمون المزيد من العقاقير والكحوليات للتعامل مع الضغط العصبي الناتج عن الوباء، وصرَّح رُبعٌ آخر بأنهم "فكروا بجدية في الانتحار" خلال الثلاثين يومًا الماضية. وكان الشباب أيضًا الفئة العمرية الأكثر تضرُّرًا وفق دراسةٍ آنيةٍ غير عادية تتبَّعت الارتفاع السريع في "الكَرب الشديد" والاكتئاب في ثلاث مراحل زمنية في الفترة ما بين منتصف مارس ومنتصف أبريل، تقول كبيرة الباحثين روكسان كوهين سيلفر، اختصاصية علم النفس بجامعة كاليفورنيا في إيرفين: "كنا نتوقع عكس ذلك؛ لأنه كان واضحًا بالفعل أن الأفراد الأكبر سنًّا أكثر تعرُّضًا لخطر الإصابة بالفيروس".

تعتقد سيلفر أن الشباب "ربما واجهوا المزيد من الاضطراب في مُجريات حياتهم: التخرج، والزفاف، والسنة الأولى في الجامعة، ونهاية المرحلة الثانوية، اضطربت كل هذه المراحل الانتقالية، وانقطعت الروابط المدرسية والاجتماعية، التي نعلم أنها مهمة جدًّا للشباب".

شارك في دراسة سيلفر 65000 شخص، وتُشير هذه الدراسة إلى عاملٍ رئيسٍ واحد زاد من قلق الناس من مُختلِف الفئات العمرية: زيادة مُتابعة التغطية الإعلامية لتفشي المرض، والإشكالية الأهم هي التعرُّض لمعلومات مُتضاربة، تقول سيلفر، التي درست التداعيات النفسية لأحداثٍ مثل 11 سبتمبر وتفجير ماراثون بوسطن عام 2013: "إن التركيز على التغطية الإعلامية هو عامل خطورة معروف؛ إذا كان الناس يتعرَّضون كثيرًا لما تُقدِّمه وسائل الإعلام، فالأرجح أنه ستظهر عليهم علامات الكرب وسيصرِّحون به، ولكن يبدو أن هذا الكرب يجذبهم أكثر إلى وسائل الإعلام، إنها دائرة مفرغة يصعب الخروج منها".

تُقدِّم سيلفر وغيرها ممن يُحقِّقون في الصدمات الجماعية اقتراحاتٍ للحفاظ على التوازن النفسي في الأوقات العصيبة، يتمثل أحد تلك الاقتراحات في الحد من التعرُّض لوسائل الإعلام وتجنُّب التقارير التي تهدف إلى الإثارة، يقول جيمس بِنيبيكر، اختصاصي علم النفس بجامعة تكساس في مدينة أوستن: إن الحفاظ على التواصل الاجتماعي، عبر تطبيق «زوم» Zoom أو الهاتف أو غير ذلك من الأساليب الآمنة في التعامل مع مرض «كوفيد-19»أمرٌ حيوي أيضًا، يقول بِنيبيكر، الذي يدرس تأثير الجائحة على الصحة النفسية من خلال تحليل المنشورات على منصة التواصل الاجتماعي «ريديت» Reddit: "على العكس من أي كارثة أخرى قمت بدراستها، فإن الناس أقل ارتباطًا بالأصدقاء والمجتمع".

يُشير بِنيبيكر إلى أن قلة العناق والنزر اليسير من مشاركة الحزن قد يُساعدان في تفسير عدم تكيُّف الناس مع الوضع الجديد، "لا يُشبه هذا أحداث 11 سبتمبر أو الزلازل؛ إذ يحدث شيءٌ كبير وسرعان ما نعود جميعًا إلى الوضع الطبيعي"، ونصائحه الأخرى هي الاحتفاظ بعادات صحية في النوم والمأكل والمشرب وممارسة الرياضة، كما يوصينا بالاحتفاظ بدفتر يوميات أيضًا، إذ تُظهر الأبحاث أن الكتابة التعبيرية تساعد الناس على التكيُّف مع المشاعر الصعبة وإيجاد المغزى، يقول بِنيبيكر: "إذا كان مرض «كوفيد-19» مصدر قلقٍ بالغٍ لك، فجرِّب الكتابة عنه".

مارس 03, 2021

الحديث عن الموت يتطلب استخدام عبارات «إيجابية»


 

في روائعه التراجيدية، يؤكد الكاتب البريطاني الشهير "ويليام شكسبير" أنه في رحلة ما بعد الموت "سيكون المأوى كله لنا"، في إشارة إلى أن الموت ما هو إلا بداية لرحلة حياة جديدة، ربما كانت أروع وأجمل من الحياة ذاتها.

ويبدو أن عبارات "شكسبير" الإيجابية عن الموت ارتد صداها إلى أروقة المعامل البحثية؛ إذ شددت دراسة أجراها باحثون من عدة جامعات ومراكز بحثية أسترالية على ضرورة انتقاء الشخص لكلمات أكثر "إيجابيةً" و"لطفًا" عند الحديث عن الموت، سواء كان يتحدث مع مقربين منه أو إلى غرباء عنه أو حتى إلى أشخاص يعانون من أمراض عضال تجعلهم إلى الموت أقرب منهم إلى الحياة.

وتشير الدراسة التي نشرتها دورية "بلوس وان" (PLOS ONE) إلى أن "البشر اعتادوا التعبير عن مشاعرهم تجاه الموت باستخدام تعبيرات وكلمات حزينة، قد تكون سلبيةً في كثير من الأحيان".

تركزت الدراسة على تدريس طرق جديدة، أكثر إيجابية، عند التعامل مع هذه المحادثات الصعبة، من قِبل متخصصين في مجال "الرعاية التلطيفية" في مختلِف أنحاء أستراليا، بقيادة "مركز أبحاث فلندرز للرعاية التلطيفية"، ومراكز دعم ورعاية حالات الموت والاحتضار.

والرعاية التلطيفية هي نوع من الخدمات الطبية، بدأ ينتشر في كثير من المرافق الصحية، بهدف تخفيف آلام المرضى المصابين بمرض عضال لا أمل في شفائه، وتحسين جودة ما تبقَّى من حياتهم.

استطلع الباحثون آراء 1491 شخصًا حول كيفية استخدام اللغة للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم فيما يتعلق بالموت والاحتضار، وتم تسجيل الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في برنامج تدريبي واسع النطاق عبر الإنترنت، مدته 6 أسابيع، تم تطويره من قِبَل جامعة فلندرز، باسم (Dying2Learn)؛ لتشجيع المشاركين على الانخراط في محادثات مفتوحة حول الموت والاحتضار.

وأظهر تحليل المحتوى العاطفي للكلمات التي استخدمها المشاركون أنه "بحلول نهاية البرنامج التدريبي، أصبحوا أكثر قدرةً على انتقاء واستخدام كلمات أكثر لطفًا وهدوءًا، عند التعبير عن مشاعرهم إزاء الموت، كما باتوا أكثر قدرةً على التحكم في تلك المشاعر".

تقول جنيفر تيمان -مديرة مركز أبحاث الرعاية التلطيفية بجامعة فلندرز، والمحقق الرئيسي بمشروع (Dying2Learn)- في تصريحات لـ"للعلم": اللغة التي نستخدمها جزء مهم من طريقة تعبيرنا عن مشاعرنا المختلفة، كما أنها تعزز قدرتنا على الحديث عن الموت والاحتضار، وأهمية الكلمات لا تكمن في مشاركة المحتوى فحسب، بل أيضًا في التعبير عن مداركنا ومشاعرنا العاطفية.

تضيف "تيمان": أظهرت دراستنا أنه في نهاية البرنامج التدريبي، أصبح بإمكان المشاركين اختيار كلمات أكثر إيجابيةً وهدوءًا من كلماتهم التي كانوا يستخدمونها في البداية؛ إذ تراجع معدل استخدام الكلمات السلبية، مثل "حزين"، في حين ارتفع معدل استخدام كلمات تعبر عن شعورهم بالارتياح.

وتتابع: انضمام المشاركين إلى البرنامج، وانخراطهم في محادثات مع آخرين حول الموت والاحتضار، والخضوع للرعاية التلطيفية، ربما ساعدهم في أن يصبحوا أكثر قبولًا عاطفيًّا عند التعبير عن مشاعرهم وموقفهم تجاه الموت.

من جهتها، توضح لورين ميللر لويس -الباحث المشارك بجامعة فلندرز، وأستاذ علم النفس الإيجابي بجامعة كوينزلاند- أنه "في حالات الشيخوخة، عندما يتلقى أهلنا من كبار السن والمرضى الذين لا يُرجى شفاؤهم، الرعاية من قِبَل متخصصين صحيين في الرعاية السكنية بدلًا من المنزل، فإن الحياة تمضي، دون مناقشة أو مشاهدة نهايتها، والتعامل مع هذه الرؤى وتغييرها يساعد المجتمع على التخطيط وإدارة الاحتياجات والتوقعات المستقبلية للرعاية في خريف العمر، بالإضافة إلى تحسين رعاية المريض والأسرة، بما في ذلك الاستعداد للموت، فضلًا عن المساعدة في تطوير الخدمات الصحية المستقبلية".

تضيف "لويس" في البيان الصحفي المُصاحب للدراسة أن "الكلمات ليست محايدة، ولذلك فإن فهم الدلالات العاطفية المرتبطة بالكلمات التي نستخدمها، يمكن أن يساعد في توجيه محادثات الرعاية التلطيفية".

ويُعد البرنامج التدريبي المبتكر عبر الإنترنت (Dying2Learn) جزءًا من مشروع (CareSearch)، الذي يجري تنفيذه بتمويل من الحكومة الأسترالية، وتم عقد أربع دورات لهذا البرنامج، اعتبارًا من عام 2016 وحتى العام الماضي 2020.

وكشفت "تيمان" -في تصريحاتها لـ"للعلم"- عن توفير مواد تفاعلية عبر الموقع الإلكتروني للمشروع، بدايةً من منتصف العام الجاري، تتضمن تعليقات ومقترحات لمساعدة عامة الناس في استكشاف الآراء المختلفة، والمشاركة في محادثات حول الموت والاحتضار، مع عائلاتهم وجيرانهم أو زملائهم في العمل، وفق وصفها.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *