ألعاب الأطفال الإلكترونية يجب أن تراعي اختيارات الآباء أيضًا
أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون بجامعة "واشنطن" الأمريكية أن الألعاب الإلكترونية والتطبيقات الرقمية الموجهة للأطفال، والتي تشتمل على محتوى مُصمم بعناية لدعم التفاعلات بين الوالدين والطفل، لها القدرة على تطوير كفاءة الطفل وشخصيته وخياله وتجربته النفسية والتفاعلية.
تقول الدراسة، التي حملت عنوان "دعونا نلعب! أنماط اللعب الرقمية والتناظرية بين مرحلة ما قبل المدرسة وأولياء الأمور": إن التفاعل بين الآباء والأطفال يكون أقل عند ممارسة اللعب باستخدام جهاز رقمي، مقارنةً بتجربة اللعب التقليدي باستخدام ألعاب غير رقمية، ولكن هذا لا يعني أن اللعب الرقمي تجربة سلبيَّة بالضرورة؛ إذ يمكن تطوير الأبحاث التي من شأنها مساعدة مطوري التطبيقات وصانعي الأجهزة على ابتكار ألعاب مفيدة لتنمية شخصية الطفل وتعزيز تفاعُله مع والديه، واحترام عقليته وتعزيز قدراته، وخلق تجارب تعزِّز تعاملاته في الحياة اليومية.
وخلص الباحثون إلى "ضرورة تصميم تطبيقات وألعاب يتشارك فيها الوالدان مع الطفل، وتشتمل على أدوار محددة للآباء والأمهات، فضلًا عن تقديم المحتوى بطريقة تسمح باتخاذ قرارات إيقاف اللعب ومعاودته بسهولة".
مقارنات ضرورية
شارك في الدراسة 15 أسرةً متطوعة، ضمت 15 طفلًا (4 أولاد و11 فتاة) كانت أعمارهم متباينة (4 دون سن الرابعة، و7 في سن 6 سنوات، و4 بلغ عمرهم 5 سنوات)، إضافةً إلى أحد الوالدين (5 آباء و10 أمهات).
وكان من معايير اختيار الأسر المشاركة تحدُّث الوالدين، أو أحدهما، إضافة إلى الطفل، باللغة الإنجليزية بشكل مريح طوال جلسات الدراسة، وأن يتفاعل الطفل مع تطبيقات رقمية مُخصصة للتسلية مرة واحدة على الأقل في المتوسط على مدى الأسبوع.
كما تنوعت الحالتان الاجتماعية والاقتصادية للمشاركين، أما الذي جمع بينهم فبراعتهم في استخدام التكنولوجيا.
تقول "أليكسيس هينيكر" -أستاذ مساعد في تفاعل الإنسان والحاسوب بجامعة واشنطن- في تصريحات لـ"للعلم": "استهدفت الدراسة مراقبة تصرفات أفراد العينة وسلوكياتهم داخل المختبر؛ حيث طلبنا من الأطفال الصغار قضاء بعض الوقت في اللعب (نصف الوقت مع الألعاب العادية غير الرقمية)، و(النصف الآخر باستخدام الأجهزة اللوحية)، وصحبهم آباؤهم في تلك الأثناء، وراقبنا كيفية تفاعُل الوالدين والأطفال بعضهم مع بعض عن كثب".
توضح "هينيكر" أن استخدام الأطفال للأجهزة اللوحية أثار حالةً من الجدل طوال الفترة الماضية؛ إذ يرى البعض أنها يمكنها إتاحة فرص تعليمية للطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، وينتقدها آخرون، مشددين على ضرورة اعتماد الأطفال على آليات لعب وتعلُّم تقليدية قديمة، مضيفة: "ليس لدينا في الواقع بيانات كثيرة حول التغيرات التي تحدث بالضبط عند تشغيل الأطفال لتطبيقات الأجهزة اللوحية، مقارنةً بالألعاب التقليدية التي يلعبون بها، لذلك كان دافعنا هو تحديد بعض تلك الاختلافات".
الخطأ في التصميم
تقول "هينيكر": رصدنا أن الوالدين يواجهان صعوبةً في اللعب مع أطفالهم باستخدام الأجهزة اللوحية، وأن استجابة الطفل لوالديه في أثناء ممارسة الألعاب الرقمية تكون أقل، في حين يزداد دور الوالدين في حالة الألعاب التقليدية غير الرقمية (مثل التلوين جنبًا إلى جنب مع طفلهما، أو في أثناء بناء مجسمات كسيارات أو بنايات)، وأن الأطفال يجيبون عن استفسارات والديهم وأسئلتهم بصورة أكثر وضوحًا في حالة الألعاب غير الرقمية، أما في حالة استخدامهم الأجهزة اللوحية فغالبًا ما تتشتت أفكارهم ولا ينتبهون لما يُقال لهم ولا يردون على نحوٍ سليم يوضح أفكارهم.
وأضافت أن "أهم النتائج الرئيسية التي توصلنا إليها هي أن تشتُّت الأطفال لدى استخدامهم الأجهزة اللوحية يرجع إلى تصميمات التطبيقات وليس إلى الأجهزة في حد ذاتها، وأنه إذا جرى تصميم تطبيقات تسمح للطفل بإيقاف اللعب والتواصل مع والديه، بحيث يكون هناك أكثر من مُستَخدم يتفاعل مع الشاشة في وقت واحد، فإن ذلك يخلق بيئةً أفضل للتواصل بين الطفل ووالديه، حتى لو كان يمارس لعبةً باستخدام جهاز لوحي".
انتقادات ومزايا
من جهته، يعلق "علي إسماعيل" -أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر- على الدراسة قائلاً في تصريحات لـ"للعلم": "إن الدراسة من نوعية الدراسات المقارنة؛ إذ تستخدم متغيرين وهما اللعب باستخدام تطبيقات رقمية وعلاقة الأولاد بآبائهم خلال عملية اللعب"، مشيرًا إلى أن "ما يعيبها هو العدد الصغير لعينة البحث؛ إذ أُجريت على 15 طفلًا فقط".
ويرى "إسماعيل"، في الوقت ذاته، أن "الدراسة تتميز في المقابل باهتمامها بالجانب العملي التطبيقي، وخلال الجلسات جرت مراقبة سلوك الأبناء وردود فعل الآباء وقت حدوث التجربة، كما يميزها أيضًا أن مَن قاموا عليها ليسوا أساتذة علم نفس أو أطباء نفسيين فحسب، بل متخصصون من جامعات أمريكية مختلفة في طب الأطفال، ما يعني أنها ذات رؤية شاملة".
بدورها، تشرح "نهلة أمين" -أخصائية العلاج النفسي والحاصلة على درجة الدكتوراة في علم النفس الإكلينيكي من جامعة عين شمس- في تصريحات لـ"للعلم" أهمية الدراسة قائلةً: "إنها اهتمت بالطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، وهي مرحلة مهمة يكون الطفل فيها هو الطرف المستجيب (المكتسب) لعمليات التفاعل من حوله؛ إذ يتم تزويده بالعادات والتقاليد والقيم والمعايير وأساليب التفكير وأنماط السلوك التي تسود المجتمع وتحددها ثقافته، وكل ما يتعرض له الطفل في سنوات عمره الأولى يُسهم في تشكيله وصياغة تفكيره وأنماط سلوكه فيما بعد".
وفيما يخص الألعاب والتطبيقات الذكية الرقمية فإن الطفل في الغالب يصبح مفعولًا به؛ وتحاول تلك الدراسة إشراك الأطفال ووالديهم في قرارات خاصة بعملية اللعب الرقمي في عدة عناصر، منها الإسهام في اختيار تصميمات ذكية تجعل من الطفل والآباء طرفًا فاعلًا، وفق أمين.
وتضيف أن "الطفل يتميز في تلك المرحلة بكثرة الحركة، والعناد، والتقليد، والمبالغة في الأسئلة، ولذلك يجب أن نضع في الاعتبار أنه لن يستجيب لما يُقال له، بل سيختار إعمال العقل لأنه ببساطة لديه قناعة بأن له الحق في قبول أي شيء أو رفضه"، مشددةً على أنه يجب على كل الأطراف التي تتعامل مع الطفل في هذه المرحلة مراعاة ذلك وتنمية مهارات الطفل النفسية والإدراكية والجسدية وتعزيزها، ومن بين هؤلاء صانعو الألعاب الرقمية التي أصبحت جزءًا من حياتنا وحياة أطفالنا، لذا يجب على مصممي الألعاب الرقمية ومنتجيها مراعاة الخصائص النفسية للأطفال في هذه المرحلة وتعزيزها، محذرةً من أن "التعامل مع الطفل على أنه سلعة ومادة تجارية يسلبه خصائصه النفسية والعقلية لصالح الارتباط بالألعاب وإدمانها، ويجعله طرفًا سلبيًّا مستهلكًا فقط، كما يجعله عرضةً لكثير من الأضرار النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية".
فيديوهات كوكو
بالتزامن مع إجراء الدراسة، صمم الباحثون تطبيقًا أطلقوا عليه اسم "فيديوهات كوكو"، وقدموه في بحث آخر بعنوان "ألعاب فيديو.. فيديوهات كوكو: تحقيق تجريبي لمميزات تصميم ألعاب فيديو واستخدام وسائل الإعلام للأطفال"، لمعرفة ما سيفعله طلاب ما قبل المدرسة عند تقديم خيارات مختلفة حول مشاهدة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت.
واعتمدوا في ذلك على العينة نفسها التي اشتملت عليها الدراسة، مع تزويد عينة البحث بأجهزة تعمل من خلال بيئة أندرويد الرقمية؛ إذ منحوا الأطفال أجهزة "آيباد" تحتوي على إصدارات مختلفة لأحد التطبيقات التي أظهرت للأطفال قائمة تشغيل مسبقة التخطيط لمقاطع الفيديو من "يوتيوب".
واشتمل التطبيق على ثلاثة إصدارات، الأول كان يمنع الأطفال من مشاهدة مقاطع الفيديو المستقبلية، مما يسمح باستخدام مقطع فيديو واحد فقط في كل جلسة، والثاني يعمل ببساطة على توجيه الأطفال إلى ممارسة لعبة أخرى أو أداء نشاط آخر؛ أما الإصدار الثالث فقد استخدم خاصيّة التشغيل التلقائي لمتابعة مشاهدة مقاطع الفيديو الجديدة، وسمح هذا للباحثين بملاحظة مدى احتمالية أن يضع الأطفال جهاز "آيباد" جانبًا في أثناء اللعب، حتى عندما تستمر مقاطع الفيديو دون انقطاع.
وخلص الباحثون من خلال رصد تجربة هذا التطبيق التجريبي إلى أنه يمكن بشكل منهجي تغيير تصميم التطبيق أو اللعبة الرقمية لتقويض استقلال الأطفال أو لتعزيزه.
وأوضحوا أنه ليس من المستغرب أن يميل الطلاب في مرحلة ما قبل المدرسة إلى الاستمرار في المشاهدة عندما يستمر الفيديو تلقائيًّا في تقديم مجموعة جديدة من الفيديوهات المترابطة، تمامًا مثل البالغين الذين لديهم خدمات مثل "نيتفليكس" أو "يوتيوب"؛ إذ ظل الأطفال جالسين لمشاهدة ما تم تشغيله بعد ذلك.
وأشاروا إلى أن خاصية التشغيل التلقائي مُحبِطة للآباء والأمهات، وتعطي الطفل فرصًا أقل لاتخاذ قرارات بنفسه، من بينها قرار إغلاق الجهاز مثلًا.
كما وجد الباحثون أنه بتفعيل خاصية التشغيل التلقائي، واصل الأطفال مشاهدة الفيديوهات على الرغم من أنه طُلِب من صانعي التطبيق وضع خطط لأنواع أخرى من اللعب.
ففي هذه الحالة يبدو الأمر كما لو أن مطور التطبيق أراد جذب انتباه الطفل واستمراريته إلى أجلٍ غير مسمى، كما أنه بمجرد أن تبدأ المرحلة التالية من الاختيارات التي يفرضها التشغيل التلقائي، يكون اتخاذ القرار بالتوقف أكثرَ صعوبة.
واستنتجت الدراسة أنه يمكن للمستهلكين –باعتبارهم مستهلكين مستنيرين- المساعدة في تحسين تطبيقات الأطفال وتطويرها من خلال اتخاذ قرارات شراء مدروسة ودعم التطبيقات التي توفر كلًّا من التعليم والمتعة والتفاعل مع الآباء وتقديم فترات راحة، مشيرة إلى أنه يجب على الآباء المطالبة بتصميمات عالية الجودة لتحقيق تلك الأهداف.
أربعة مبادئ
كانت دراسة نشرتها دورية "سيكوليجيكال ساينس إن بابليك إنترست" قد بحثت الشروط الواجب توافرها في التطبيقات الرقمية، كي تصبح ذات مغزى تعليمي وتربوي حقيقي.
ورصد الباحثون انتشار استخدام الأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية خلال السنوات الـ5 الماضية على نحوٍ مذهل لا يمكن منعه، وأن النمو الهائل في التكنولوجيا الذكية كان له تأثير كبير حتى على المستخدمين الأصغر سنًّا الذين يتفاعلون مع التطبيقات بطريقة بديهية، ما يجعل التطبيقات جذابةً للآباء والمدرسين بوصفها طريقةً لمساعدة الأطفال على الوصول إلى معلومات جديدة وتعلُّم مهارات جديدة.
وأوضحوا أنه على الرغم من أن أكثر من 80 ألف تطبيق من تطبيقات App Store يتم وصفها أو تصنيفها بأنها تعتمد على التعليم أو التعلُّم، فما من معايير علمية لتحديد ذلك الأمر بدقة حاليًّا، ما يثير حالةً من الجدل بين الآباء والمعلمين حول كيفية تمييز التطبيقات التعليمية عن غيرها.
وخلص الباحثون إلى أن التطبيقات التعليمية تدعم التعلُّم على أفضل وجه عندما تحقق شروطًا محددة، مثل اعتمادها على الجهد العقلي وليس فقط اللمس العشوائي، وأن تعمل على تعزيز اندماج الطفل بالبيئة المحيطة به وليس تشتيته، وأن تكون التطبيقات ذات مغزى في سياق حياة الطفل، وتحقيق التفاعل الاجتماعي؛ لأن الأطفال يتعلمون على نحوٍ أفضل مع الآخرين، بما في ذلك الآباء والأقران".
ورأوا أن هذه المبادئ الأربعة يمكن أن تساعد على تمييز التطبيقات التعليمية عن تلك التي تتظاهر بكونها تعليمية، كما يمكن لهذه المبادئ أن تساعد على تحديد التطبيقات التي تعمل على انخراط الأطفال في تجربة ذات مغزى تربوي وتعليمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق