في أثناء رحلته إلى مصر عام 1856، اشترى السير البريطاني تشارلز نيكولسون مومياء محنطة داخل تابوت مغطى قبل أن يتبرع بها لجامعة سيدني الأسترالية في عام 1860.
وبعد أكثر من 160 عامًا، تخضع المومياء المحفوظة في متحف "تشاو تشاك وينج" بجامعة سيدني للدراسة والتحليل لتكشف أسرار جديدة من أسرار مصر القديمة، وفق دراسة أجراها باحثون جامعة ماكواري الأسترالية.
تشير الدراسة التي نشرتها دورية "بلوس وان" (PLOS ONE) إلى أن تحليل هذه المومياء المصرية التي ترجع إلى الأسرة العشرين (1186-1072) قبل الميلاد أظهر وجود طبقة من الطين حول الجسد تشبه الدرع، وهو ما يُعد شيئًا غريبًا في تقنيات التحنيط في مصر القديمة.
فحص الباحثون بقيادة كارين سوادا -الباحثة بقسم التاريخ والآثار في جامعة ماكواري- الطبقات التي تغلف المومياء باستخدام "التصوير المقطعي المحوسب" لجمع سلسلة من صور الأشعة السينية التي التُقطت من زوايا مختلفة حول جسم المومياء.
تقول "سوادا" في تصريحات لـ"للعلم": تم استخدام عدد من التقنيات الحديثة في دراسة هذه المومياء، منها التصوير ثلاثي الأبعاد (يسجل وصفًا مجسمًا للأجسام) والمسح المقطعي المستعرض، اللذان كشفا عن درع أو صدفة تغلِّف الجسم مصنوعة من الطين والقش المحشور بين طبقات من الكتان، وكان المعتاد أن تكون هذه القشرة مصنوعةً من مادة الراتنج، وهي مادة مستوردة في ذلك الوقت.
تضيف "سوادا": توجد الجثث المحنطة أمام أعيننا وتحت أنوفنا مباشرةً على مدى أجيال، ويمكن أن يكشف تطبيق التكنولوجيا الجديدة عن معلومات جديدة تمامًا تتحدى ما كنا نعرفه سابقًا، وقبل عمليات الفحص التي أُجريت على هذه المومياء لم يسجل علماء الآثار استخدام درع الطين داخل طبقات من أغلفة النسيج كأسلوب في التحنيط المصري قبل الآن.
شاركت "سوادا" في إجراء عمليات مسح أولية على الجثة المحنطة في عام 1999، إذ جرى خلالها اكتشاف الدرع لأول مرة، وبعد ما يقرب من عقدين من الزمان، أعاد الفريق البحثي مسح الجسم باستخدام تقنيات محدثة.
تقول الباحثة الرئيسية بالدراسة: تحسَّنت التكنولوجيا بشكل كبير للأغراض الطبية، لذا فإن التصورات الجديدة للجسم الملفوف باتت جيدةً بشكل لا يصدق، وبصورة أفضل بكثير مما كانت عليه في أواخر التسعينيات، مما يتيح لنا رؤية كثير من التفاصيل.
في الفحص بالتصوير المقطعي المحوسب، يستخدم أخصائيو الأشعة التصوير بالأشعة السينية لإنشاء حزمة ضيقة من الأشعة السينية حول الجسم لإنتاج صور مقطعية، وتحسِّن هذه التقنية تحليل عمليات المسح، مما يتيح تصويرًا أفضل لما يكمن تحت الأغلفة.
استخدم الباحثون تقنية "التصوير المقطعي المحوسب" لتصوير الأسنان والهيكل العظمي، ووجدوا أن المومياء كانت لشخص بالغ يتراوح متوسط عمره بين 26 إلى 35 عامًا.
وعلى الرغم من أن فحوصات الجسم لم تكشف عن الأعضاء التناسلية الخارجية، إذ جرت إزالة الأعضاء التناسلية الداخلية في أثناء عملية التحنيط، إلا أن الخصائص الجنسية الثانوية العظمية (عظام الورك والفك والجمجمة) تشير بقوة إلى أن الشخص المحنط كان أنثى.
تقول "سوادا": ساعدنا تيموثي مورفي -عالِم الكيمياء الجيولوجية بجامعة ماكوراي- في تحديد أن الدرع يتكون من طبقة أساسية رقيقة من الطين مغطاة بصبغة بيضاء أساسها الكالسيت وسطح مطلي باللون الأحمر من تركيبة مختلطة.
وتتابع: يعتقد قدماء المصريين أن التحنيط يساعد في نقل المتوفى من الموت إلى الآخرة والولادة الجديدة، وقد انفصل بعض العظام عن بعض، ويمكن أن يكون هذا الضرر سببه لصوص القبور القدامى، ومن المحتمل أن تكون الأسرة قد وضعت هذا الدرع الطيني كشكل من أشكال الحفظ القديمة لمساعدتها على الانتقال إلى الآخرة، كما أن هناك فرضية أخرى بأن درع الطين هو مثال على محاكاة النخبة، فربما لم تكن أسرة المتوفى قادرةً على تحمل تكلفة الراتنج الباهظ الثمن الذي استخدمته فئات النخبة المصرية واستوردته من ساحل البحر المتوسط ، لذلك استخدموا طينًا أرخص ومتاحًا من نهر النيل القريب.
وأكد المؤلفون في الدراسة أنه ليس من الممكن حتى الآن تحديد مدى تكرار هذا العلاج الطيني للمومياوات من غير النخبة في أواخر الدولة الحديثة لمصر القديمة، مشددين على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات الإشعاعية على مومياوات أخرى غير ملكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق